ظللت ليلة الثلاثاء الماضى يقظاً فى انتظار طلوع النهار كى أرى مبارك يدلف إلى قفصه المنصوب. أثناء السهر رحت أفكر فى أشياء مختلفة.
جلست أفكر مثلاً فى أن زمن الشعارات الجامعة قد انتهى أو كاد، فقد رأينا السلفيين فى جمعة الوفاق يرفعون شعارات تدعوا لدولة دينية، الأمر الذى جعل شركاء ينسحبون من الميدان، لأنهم يرفعون شعارات تدعو لدولة مدنية تتيح حقوقاً لكل أبناء الوطن. إلا أن الثورة، رغم كل شىء، ماضية فى طريقها، وإذ يطلع النهار سوف نرى مبارك داخل القفص.
فى مناسبة الشعارات هذه أتذكر، حتى يطلع النهار، حكاية شعار قديم قد لا يعرف الكثيرون عنه شيئاً، ربما لو كتب له التحقق، لتغيرت أشياء كثيرة وما عاش العراق مأساته الكبيرة.
فى مثل هذه الأيام، 2 من أغسطس عام 1990 قامت قوات صدام حسين بمهاجمة الكويت، واستولى على الدولة بالكامل واستمر هذا الاحتلال لمدة سبعة شهور حتى قامت قوات التحالف بتحريرها. خلال هذه الفترة طالب العالم كله صدام حسين بالانسحاب، إلا أنه ركب رأسه ولم يفعل، رغم عشرات المؤتمرات والمبعوثين الدوليين الذين كان يستقبلهم بخيلاء واضح، حتى مع علمه بقيام تحالف من 34 دولة للتعامل معه فإنه لم يرتدع.
خلال هذه الأيام خطر أن ما يمنعه من الانسحاب هو افتقاده إلى شعار مصكوك بشكل جيد يحفظ له كبرياءه المعروف بينما ينسحب. فصياغة الشعارات المحكمة هى القوت الأساسى الذى قامت عليه مثل هذه الأنظمة، والبلاغة كانت صاحبة اليد الطولى فى حضارتنا العربية (حاول تتذكره عندما تصدى للقوات الأمريكية على الشاشة، بأن راح يقرأ قصيدته التى استهلها بقوله: «وأسرج لها الخيل..» وهى القصيدة التى ما إن سمعت مطلعها حتى أدركت أن العراق انتهى أمره.
أثناء فترة الاحتلال قامت دولة الكويت بإنشاء جريدة الثورة الكويتية، وفى مكتبها بالقاهرة استخدمت مجموعة من المحررين المصريين الذين عملوا بالعراق وعادوا. ثم إنهم أرسلوا من مكتبهم مصوراً شاباً ليأخذ لى بعض الصور، وبينما نشرب الشاى علمت أنه عائد من بغداد وأنه كان أحد كوادر البعث المهمين. حينئذ سألته عن تفسيره لرفض صدام الانسحاب بينما العالم كله كان على ثقة بقيام قوات التحالف بمهاجمة قواته ودحرها، وهو قال: إنه كاد ينسحب فعلاً. وأن القيادة توصلت مرة إلى شعار مناسب جرى تعميمه على كل أعضاء الحزب لكى تهتف به فى مظاهرات حاشدة، وهو شعار يقول: «نريد الأصل.. ولا نريد الفرع» أى نريد العراق ولا نريد الكويت، وهنا يضطر صدام للانسحاب نزولاً على إرادة الجماهير، لكن فى اليوم نفسه مساء راحت الإذاعات الأجنبية تبث رسائل موجهة للعراقيين تفيد أن «صدام» يريد الهرب من الكويت ويدبر لمظاهرات تعينه على ذلك. هكذا أخذته العزة ورفض خروج المظاهرات، وكان ما كان.
ظللت يقظاً حتى الحادية عشرة تقريباً حين توافدت رفقة السوء داخل القفص، ثم مثل مبارك محمولاً على محفته وحوله ولداه. أنا تسمرت فى مكانى صامتاً لا يفوتنى وجهه كلما لاح، وقد خيل لى مرة أنه يتعمد النظر ناحية الكاميرا. وكم ساءلت نفسى عما يفكرون فيه الآن.
وعندما صاح القاضى: محمد حسنى السيد مبارك..قرب هو الميكروفون من فمه وصاح هو الآخر: أفندم، موجود. ما رأيك فى الاتهامات الموجهة إليك؟ قال: «كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كلها».
هذه ثمرة غضب شعب عظيم ثأراً لكرامته، وهى اللحظة الاستثناء فى تاريخ مصر كله. وأنا تركت كل شىء، وقمت نمت.
جلست أفكر مثلاً فى أن زمن الشعارات الجامعة قد انتهى أو كاد، فقد رأينا السلفيين فى جمعة الوفاق يرفعون شعارات تدعوا لدولة دينية، الأمر الذى جعل شركاء ينسحبون من الميدان، لأنهم يرفعون شعارات تدعو لدولة مدنية تتيح حقوقاً لكل أبناء الوطن. إلا أن الثورة، رغم كل شىء، ماضية فى طريقها، وإذ يطلع النهار سوف نرى مبارك داخل القفص.
فى مناسبة الشعارات هذه أتذكر، حتى يطلع النهار، حكاية شعار قديم قد لا يعرف الكثيرون عنه شيئاً، ربما لو كتب له التحقق، لتغيرت أشياء كثيرة وما عاش العراق مأساته الكبيرة.
فى مثل هذه الأيام، 2 من أغسطس عام 1990 قامت قوات صدام حسين بمهاجمة الكويت، واستولى على الدولة بالكامل واستمر هذا الاحتلال لمدة سبعة شهور حتى قامت قوات التحالف بتحريرها. خلال هذه الفترة طالب العالم كله صدام حسين بالانسحاب، إلا أنه ركب رأسه ولم يفعل، رغم عشرات المؤتمرات والمبعوثين الدوليين الذين كان يستقبلهم بخيلاء واضح، حتى مع علمه بقيام تحالف من 34 دولة للتعامل معه فإنه لم يرتدع.
خلال هذه الأيام خطر أن ما يمنعه من الانسحاب هو افتقاده إلى شعار مصكوك بشكل جيد يحفظ له كبرياءه المعروف بينما ينسحب. فصياغة الشعارات المحكمة هى القوت الأساسى الذى قامت عليه مثل هذه الأنظمة، والبلاغة كانت صاحبة اليد الطولى فى حضارتنا العربية (حاول تتذكره عندما تصدى للقوات الأمريكية على الشاشة، بأن راح يقرأ قصيدته التى استهلها بقوله: «وأسرج لها الخيل..» وهى القصيدة التى ما إن سمعت مطلعها حتى أدركت أن العراق انتهى أمره.
أثناء فترة الاحتلال قامت دولة الكويت بإنشاء جريدة الثورة الكويتية، وفى مكتبها بالقاهرة استخدمت مجموعة من المحررين المصريين الذين عملوا بالعراق وعادوا. ثم إنهم أرسلوا من مكتبهم مصوراً شاباً ليأخذ لى بعض الصور، وبينما نشرب الشاى علمت أنه عائد من بغداد وأنه كان أحد كوادر البعث المهمين. حينئذ سألته عن تفسيره لرفض صدام الانسحاب بينما العالم كله كان على ثقة بقيام قوات التحالف بمهاجمة قواته ودحرها، وهو قال: إنه كاد ينسحب فعلاً. وأن القيادة توصلت مرة إلى شعار مناسب جرى تعميمه على كل أعضاء الحزب لكى تهتف به فى مظاهرات حاشدة، وهو شعار يقول: «نريد الأصل.. ولا نريد الفرع» أى نريد العراق ولا نريد الكويت، وهنا يضطر صدام للانسحاب نزولاً على إرادة الجماهير، لكن فى اليوم نفسه مساء راحت الإذاعات الأجنبية تبث رسائل موجهة للعراقيين تفيد أن «صدام» يريد الهرب من الكويت ويدبر لمظاهرات تعينه على ذلك. هكذا أخذته العزة ورفض خروج المظاهرات، وكان ما كان.
ظللت يقظاً حتى الحادية عشرة تقريباً حين توافدت رفقة السوء داخل القفص، ثم مثل مبارك محمولاً على محفته وحوله ولداه. أنا تسمرت فى مكانى صامتاً لا يفوتنى وجهه كلما لاح، وقد خيل لى مرة أنه يتعمد النظر ناحية الكاميرا. وكم ساءلت نفسى عما يفكرون فيه الآن.
وعندما صاح القاضى: محمد حسنى السيد مبارك..قرب هو الميكروفون من فمه وصاح هو الآخر: أفندم، موجود. ما رأيك فى الاتهامات الموجهة إليك؟ قال: «كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كلها».
هذه ثمرة غضب شعب عظيم ثأراً لكرامته، وهى اللحظة الاستثناء فى تاريخ مصر كله. وأنا تركت كل شىء، وقمت نمت.